المشهد الأول
كنتُ أسيرُ في صحراء باردة..
اكتست رمالها بالحُمرة.. وترك عليها إشعاع الغروب لمحةً ذهبية..
كانت الطفلة ابنة الخمس سنين ترفع رأسها إلى السماء..تستعد لاستقبال النجوم..
غطت زُرقة المساء الأفُق.. وأضاءت السماء قناديلها..
اشتدت الرياح وقسى البرد على أطرافي.. وكان كبرياء الطفلة التي كُنت لا يسمح لي بالتعبير عن البرد، والحاجة إلى الدفء..
تمسّكتُ بيدِ أبي.. وإذا بخطواتٍ هادئة تقترب منّي.. كانت المرأة تتجه إليّ لا لأبي..
أمسكت بيدي اليُسرى وقالت “في حياةٍ انتهت.. وزمن مضى منذ وقتٍ ليس ببعيد..
كُنتِ ممرضة حرب.. كُنتِ جندي القائد وسنده الوحيد.. وحافظة سرّه..
وما إن أُسدِلَ السِتارُ عن الحرب حتى قُتِلتِ بعدَه.. انظري إلى علامة الوحم في ساقكِ، ماهي إلا الرصاصة التي قتلتكِ في ساقكِ اليُمنى..
المشهد الثاني
في عرضِ الصحراء.. وعلى رمالها الحمراء.. في أولِ أيام العام الجديد..
مستلقيةٌ كُنتُ أئنُ من وجعٍ طارئ لم أختبره من قبل.. أئن من وجعٍ يمثّل كل خيباتي..
أغفو وأصحو ولا شيء يتغيّر.. أقوم لأبحث عن رسالة سماء الصحراء لهذا اليوم.. لهذه الحالة وهذا الألم..
تُقابِلني العرافة وتسألني مرّة أخرى، بعد ستة عشر عاماً..
“- هل التقيتي بأحدهم؟
– مَن؟
– قاتليكِ!
– لم ألتقِ بأحد، كما لم يقتلني أحدٌ من قبل!
– كُنتِ ممن هُزِموا هزيمة نكراء، وللحرب أحكامها.. فكان حكمها أنّك أول ضحاياها.. تعرضتي للتعذيب وشتّى أنواع الأذى لتكشفي أسراراً.. لم تكشفيها.. وكانت رسالة روحك أن تحيا بهذا الجسد.. لا للانتقام، بل للدفاع عن حماية هذه الأسرار.. واستكمال دورها في الحياة السابقة.
– أما تعرفين عن الغيبِ غيرَ الموتِ والحرب والقهر والعذاب؟ ألا تعرفين شيئاً عن الحب والسلام والحياة الرغيدة؟ والقصة الشرقية التي في ختامها يتزوج الأبطال؟ أين أرباح اليانصيب وحيل جلب الحبيب؟
– للغيبِ رسائله.. ولكلِ رسالته.. وقد وهبكِ الله فهماً وحكمة، تجعل من تساؤلاتك ضرباً من المُزاح أو مجرد تهكّم..”.