نشوة الصوفي في غمر تجلّي الأفكار

“لي في سماعك نشوة الصوفيّ في غمر التجلّي..

ولكل بوحٍ لذة فكرٍ كفجرٍ مستهلِّ”..

ما إن أتأمل كلمات سليم حيدر حتى أقِف لأتأمل حياته، هذا البيت الشعري تحديداً يتحدث عن نشوة الصوفي والتجلّي في عمق لوصف حالة روحية صرفة، ومن ثم ينتقل إلى اللذة التي تبتعد في الوصف الديني عن الروح لتكون أقرب إلى النفس ويقرنها بالفِكر، في انتقالة سلسة بين مشاعره وهو يستمع إلى محبوبه، وكل ذلك في سماعه فقط!

والمتأمّل لحياة سليم حيدر قد يرى حياته في هذه الانتقالة، فهو الكاتب والشاعر والحقوقي، في مقابل كونه سياسياً ودبلوماسياً، هذا المزيج ما بين الأدب والسياسة ليس فريداً من نوعه ولكنه لطالما استوقفني، أن تحتفظ بشاعريتك، وبرؤيتك الصوفية للحياة من قلب الصراعات السياسية، وأن تحتفظ بحسّك الحقوقي أمام ابتسامات المجاملات الدبلوماسية.. هي أشياء لا تستوقفني لأفكر فيها فقط، بل تستوقفني لتأخذني إلى ما هو أبعد من ذلك في تأمل حياة هذا النوع من الشخصيات، وككاتبة مفتونة بالسيرة الذاتية تستوقفني سيرهم.

كنت أفكر في هذا كلّه وأنا في طريقي إلى إحدى غاياتي، تتصل بي أمي لتقول لي بأنها رأتني في منامها، ولا تصدق أمي شيئاً كتصديقها لرؤياها، تقول لي أنها رأتني أحزم حقائب سفري لألحق بحافلةٍ كتب عليها اسم “سالِم” كان فستاني أخضراً عشبياً وكان شعري طويل جداً كما تحب أمي أن تراه.

حدثتني بعد روايتها للحلم بأنها ترى رحلتي خيراً لما يحمله اسم “سالِم” من رمزية، أن أسلَم، أن تسلَم نوف! هكذا رأت أمي درب حياتي القادم من منظورها لأجل اسم سالم واللون الأخضر، قلت لها وأنا كنت أفكر قبل قليل بشاعر توفي قبل مولدي اسمه سليم، فقالت لي أنها لا تحبه مع أنها لا تعرفه، لأنها لا تحب جميع الشعراء، اقتربت وجهتي وانتهت المكالمة ولا تزال فيروز تغنّي في ذهني “قولي أحبّك لا تملّي”، وأنا لم أملّ يافيروز أبداً من صوتك، ولا من فِكرٍ يصل بي كل يومٍ إلى التجلي.

أخوض رحلة في ذهنك، وأستمتع بالرحلة رغم طول المسير، تكشف لي عينيك في كلّ مرة نافذة جديدة، وأذهب معها بلا تردد، تقودني بأمان حيث لا مخالفات مرورية لديك، ولا أخاف كثيراً بطبيعتي على أي حال.

%d مدونون معجبون بهذه: