الكتابة والمشي رأساً على عقِب..

Paul Gustav Fischer (Danish, 1860-1934).

منذ يومين حصلت على هدية رائعة وبسيطة، عبارة عن دفتر ملاحظات حجمه لا يكبر يدي بكثير، فرحت به كثيراً، لأنّي أنوي العودة إلى الاستعانة بالورق للعودة إلى التدوين.

وفي الأيام القليلة الماضية، خُضت تجربة الكتابة وسط جمعٍ من الناس، أو بصيغة أكثر دقةً “وسط الجموع”، كانت تجربةً استثنائية، أن أكتُبَ وسطَ الضجيج، أن أُركز في مناسبة يصعب التركيز فيها على ما تكتبه؛ لحاجتك إلى التفاعل باستمرار.

انعكاسي في المرآة ومنظر ليلي لأحد شوارع باريس، ٢٠٢٢ م.

أن يختلف ظرف المكان، يعني بالضرورة تغيير طقوس الكتابة، الأمر الذي ينعكس بالنهاية على الفكرة التي سيخرج بها الكاتب.

بعد أن كانت الكتابة عمل أمارسه في الليل أو عند بداية الفجر، وأربط به إعداد القهوة، أو تناول المشروبات المسائية، تصبح الكتابة اليوم شيء أقوم به بصرف النظر عن ظرفي الزمان والمكان، فلا فرق كبير بين غُرفتي ومنظر اللوحات فيها أو انعكاس الشمس على المرآة، وبين قاعة فريدة مزيّنة بكل ما استطاعت أعيننا إداركه من جمال، تعُجّ بالزوار من كُل الأجناس، ويتحدّثُ فيها الناس لُغات عدّة.

في نهاية اليوم الأول المزدحم، بعد أن ختمت آخر اجتماع، استلقيتُ على ظهري وأطلتُ التأمّل في السقف، مرّ شريط اليوم ببطء بالغٍ على ذهني.. الموعد الثقيل على قلبي.. الشمس الساطعة في عيني، والمتعامدة على رأسي بعد ساعة من الشروق، بشرتي التي طالتها الحساسية هذه المرة، وقفصي الصدري الذي بات مسموعاً تردد النفس فيه؛ منه وإليه دخولاً وخروجاً، فُستاني الأبيض المبلل بالماء بعد أن سكب عليه النادل -بالخطأ- عصير البرتقال، وأخيراً الكعبُ المكسور ودار الأزياء الفرنسية الفاخرة التي خذلني به، وقدمي المُصابة بصدمة كسرِه..

دوّنت ذلك كلّه في ذاكرتي، وخرجتُ إلى القاعة وسط الجموع لأُحرره في هاتفي، وما إن مسكت الهاتف حتى انشغلت بالعمل ونسيت التدوين، وبعد أن حصلت على دفتر الملاحظات ظننت أن هذه المشكلة قد حُلَّت..

فتحت الدفتر في عُطلة نهاية الأسبوع، لأجده عربياً يبدأ من اليسار، ولا انحيازات لدي بين الاتجاهات في اليمين واليسار، فأنا أكتب هذا المنشور بإبهام يدي اليُسرى، ولكنّ أن يُتوقع منّي كتابة النصوص باللغة العربية ابتداء من اليسار كمن يطلب منّي أن أمشي على رأسي.

%d مدونون معجبون بهذه: