أغاني الصباحات، والهرب من شمس الصيفية..

لا شيء أجمل من صباح لا تقود سيارتك فيه..

ولا أكثر هدوءاً وصفاءً منه..

ولا قهوة أجمل من تلك التي تُعدّها بنفسك..

أن تأخذ وقتاً لتأمُل العادات الصباحية اليومية، كأنها شيئاً يحدث للمرة الأولى، هو طقس أُرتّب فيه أفكاري قبل استقبال اليوم.. لأتمكن من التحديد بدقّة؛ أي الأيام سيكون هذا اليوم، وفي ماذا سأُكرّسه..

صحيح أن “رمنسة” العادات العادية -أي جعلها رومانسيةً- ليس أسلوب حياة أحبّذه، ولكن مع زحمة الأيام، أجد أن الحركة الصباحية بنشاط بدني خفيف، والأعمال العادية مثل إعداد القهوة أو حتى ترتيب الملابس، هي أعمال تمنح أذهاننا مساحة ولو كانت ضيقة، لاستعادة ضبط المصنع عن اليوم الماضي.. وعن الأفكار التي لا يُعيد النوم ضبطها خصوصاً لمن هم مثلي لا يعرفون ساعات النوم التي تزيد عن خمس ساعات في أحسنِ الأحوال..

قرأت مرةً رأياً يقول أن قراءة الشعر يجب أن تُصنّف من الفضائل التي يتحلى بها ابن آدم، ولم أتجاوز هذا الرأي أبداً، لأن الشعر فضلاً عن أنّي أجد فيه عزاءاتي ومواساتي عن كلّ شيء.. هو خير ما أقرأ وما أتأمّل وما أقضي وقتي في قراءته..

حتى الأغنيات التي أحبّ، أحبّ بالأصل قصائدها.. ولا أطرب مع أغنية إلا طرباً بالقصيدة المُغنّاة..

صباحات الصيفية التي لم تترك لي يوماً فرصة محبتها.. تُساعدني المكيّفات والنور المُنعكس من نوافذ البيت.. على تحمّلها، لأنّي منذ سنة عاهدت نفسي بأن أحمي نفسي من ضربات الشمس بعدم التعرض لها أبداً.. بالخروج فجراً والعودة عند المساء.. أو بعدم الخروج أبداً في الأيام التي لا أقصد فيها مكتبي..

قصيدة اليوم، وأيام كثيرة مضت هي من أغنيات الصيفية، التي تشدو بها السيدة فيروز فيمنحني صوتها شعور النسمة الباردة الخفيفة..

يقول فيها بشارة الخوري المعروف بالأخطل الصغير:

“يبكي ويضحك لا حزنا ولا فرحاً

كعاشق خطّ سطراً في الهوى ومحا

ومن مُخالَسَةِ الظبي الذي سنحَا..

من بسمة النجمِ همسٌ في قصائده

قلب تمرّس باللّذات وهو فتىً

كبرعمٍ لمسته الريح فانْفتحَا..

ما للأقاحيّة السمراء قد صَرَفَتْ

عنّا هَوَاها، أرقُّ الحسن ما سمحَا..

لو كنت تدرين ما ألقاهُ من شجنٍ

لكُنْتِ أرْفَقَ من آسى ومن صفحَا..

غداةَ لوّحْتِ بالأمال باسمةً

لانَ الذي ثار وانْقاد الذي جَمَحَا..

فالروض مهما زَهَتْ قفرٌ إذا حُرِمَتْ

من جانحٍ رفَّ أو من صادحٍ صدحَا..”

%d مدونون معجبون بهذه: