غالباً ما نتفاجأ بآراء لوم الضحية، في قضايا الاغتصاب أو التحرش، أو أي اعتداء من أي نوع على أي مخلوق..
وليس غريباً أن نجد هذه الفكرة تفسّر كل المواقف في كلّ جوانب الحياة، لدى معتنقيها..
لا يمكن للمرء الذي كما يقال في العامية “يفهم بالمقلوب” أن يفهم أي شي، تفسير البشر للمواقف والأحداث من حولهم يفسر نظرتهم للحياة، ولهذا فإن من يلوم طفلة على كونها ضحية اغتصاب، سيلوم القطة على كونها ضحية حادث سير.. وهكذا..
أحب مناقشة الأفكار، وليس كلّ ما يقال من أي كائن ناطق يعدّ أفكاراً، إذ لا تنطق بعض الكائنات إلا الهُراء، اليوم وأنا أعبّر عن رأيي في خدمات المطاعم، وتطبيقات توصيل الأطعمة، ربطت بين سوء الخدمة وبين عدم الاعتداد بالقواعد المنظمة لموضوعات، منها حساسية الطعام..
تلقّيت هجوماً من أشخاص يُلقون اللوم عليّ، ويدافعون عن تلك الخدمات، بعيداً عن نظرهم القاصر، وبعيداً عن كل شيء..سأحاول تفسير الموقف، ومن ثم أعود لفكرة ثقافة لوم الضحية، المتجذرة في العقل الجمعي..
لم أكن يوماً ممن يثق في خدمات أي من مقدمي الخدمات، وكُنت بعد إعطاء الملاحظات، واستبعاد المكونات المسببة للحساسية من الطلب، أنبّه على أن هذا المكون مسبب للحساسية لدي، وأنه في حال عدم رغبة مقدم الخدمة في تقديم الطبق بدونه، يجب عليه إخباري ورفض طلبي!
أبجديات المعاملات المدنية المتداخلة في حياتنا اليومية، يستطيع فهمها أي أحد من خلفية ليست قانونية، ولم يتعلم أي شيء عن القانون، إذا لم تطابق السلعة أو الخدمة ما تم الاتفاق عليه فيحق لي فسخ العقد، والذي يعد من عقود المعاطاة التي لا يشترط فيها حتى الكتابة..
هناك شيء آخر، لستُ حديثة عهد بالأطعمة والمشروبات، أستطيع تمييز المكونات من رائحتها، فقد طوّرت الثديّات استخدام حاسة الشم لأغراض عدّة، من بينها تمييز مكونات الموادّ، فحتى القطط تشمّ رائحة الطعام قبل أكله، إلا حديث العهد بالأكل الذي يجمع فوق جهله بأساسيات القانون نقاط له في منحدر الجهل، ويجهل حتى أبجديات غرائز الكائنات الحيّة..
في الأيام القليلة الماضية، وفي أيام بعيدة أخرى، لم أتناول المكونات المسببة للحساسية، كُنت أتخلص منها، أو أقوم من مكاني فوراً بمجرد تعرّضي لرائحتها، ولكن، أيٍّ كانَ ما تعرضت له، فإن فعل مقدمي الخدمات في هذه الحالة خرق للعقد القائم بيني وبينهم، وأستحق تعويض عن الضرر الواقع علي بسبب ذلك الخرق..
أما عن موشحات مديح مقدمي الخدمات، فلم أر في حياتي خدمات أسوأ من الخدمات المتعلقة بالأطعمة، سواء تقديم الطعام مباشرةً أو توصيله!
وفيما يخص مقدمي خدمات توصيل الأطعمة تحديداً، لا أفهم سرّ الاستماتة في الدفاع عنها، هذه التطبيقات قائمة على فكرة الاقتصاد التشاركي، والتي يخسر أبرز المستثمرين فيه حول العالم خسائر سنوية تقدّر بالمليارات!
المهم لدى هؤلاء، ألا تكون على حق، فأنت السبب في كل ما يحصل لك، أنت السبب في أن يُهدر حقك، وأنت السبب في كلّ ما يحصل لك..
لدى هؤلاء فرط التحسس من تحديد المسؤول عن الضرر، ولديهم رد فعل تحسسي حادّ من التعبير عن الرأي في الخدمات..ولذلك فإن أقرب فكرة لتفسير الأمور لديهم هي لوم الضحية، لأن كل الأمور لديهم عصيّة على الفهم.