
ربما كان السير جون ويليام أشتون، البريطاني/ الأسترالي يودّع باريس وعزّ عليه أن يترُكَ ليالي السين دون أن يقدّر هذا البهاء والجمال بريشته وطبعاته..
هذا النَهر خالِد الجمال والبهاء.. الذي يأبى أن يُشبهه أحد، ويأبى أن يتنازل عن جماله.. ولا عن لياليه الحِسانِ النّيِّرات..

مثلما الإنجليزي سير جون أشتون أنا العربية أتلخبط في وداعِ باريس..
ولأن العشاء الأخير رمزٌ ديني مقدس، ولقدسية القصة الدينية عندي. فإنّ الجزء اللاموعي في دماغي يردد علي دائماً أن هذا هو العشاء الأخير..
هو عشاء أخير صحيح، ولكنّه ليسَ العشاء الأخير الربّاني، فهذا العشاء روحاني بطريقة خاصة جداً
أودّع به المُدُن التي أشعر أحياناً أن رائحتها تجري في دمي من فرط حبي لها وارتباطي بها، من قوة ما أجدني بها كما أنا، وكما أحبّ..
من فرط ما أجد الحياة فيها، كما حلمت وكما تخيلت وكما أمِلت وكما أردت دوماً..

يقتُلني حبَّ هذه المدينة، يُقطّعني إرباً إرباً.. ويمضي بي إلى الذوبانِ فيها.. والتوهانِ -عبثاً وقصداً- في لياليها..
أتأمل هذا الجمال المُحيط بي، أتنفّسُهُ.. وأستشعِرهُ..
أُخزِّنُ في ذاكرتي ما يقيني بؤس كُلِّ ما ألقى.. أحتفِظ بهذه اللحظة.. وبنعيمها المُشتهى..