قانون يُعاني من متخصصيه؛ إنما هي حقيقة الأشياء

The law student (Young Lawyer),1927 by Norman Rockwell.
‏رسم روكويل هذه اللوحة في الثاني عشر من فبراير احتفالًا بذكرى ميلاد الرئيس إبراهام لينكون.

*عندما رسم روكويل هذه اللوحة، لم يكن ظهر بعد أي من محامي إعادة تغريد القرارات..

ربما يكون أكثر ما أكتبه إثارةً للسخط أحياناً.. والاستغراب.. أو الإعجاب في أحياناً أُخرى هو حديثي عن الغباء، عن محدودية قدرات البشر..

إن كلّ ما يستثير غضب الأشخاص ممن يظنون جهلاً بأن الفضاء العام ملك أيديهم، ولا يمكن لأحد أن يُعبّر عن آرائه وأفكاره مراعاةً لمشاعرهم..

مشاعرهم التي تهتز من ذِكر ضعف محتواهم الذي يدّعون أنه محتوى قانوني.. ولم يتوقفوا ولم يستسلموا، واصلوا نشر الأخبار باعتبارها محتوى قانوني رصين كأنما هُم مُرسلين لهذا..واصلوا وعظ القانونيين، جرّبوا وعظي مرةً وكنتُ لهم بالمرصاد ولم أقبل بذلك!

متلازمة الشخص ضعيف القُدرات الطَمُوح فوقَ ما يستطيع وفوق طاقاته وفوق قدراته، مُتلازمة تملأ سوق العمل القانوني، وكلّما زاد احتياج السوق للمتخصصين في هذا المجال، كلّما انتشر الضُعف فيه انتشار النار في الهشيم..

لستُ أكتب هذا لأقول إن الإنسان لا يتغيّر، بل يتغيّر ويتطوّر وتزداد قدراته مع الوقت ويمكنه اكتساب المهارات، ولكن إن -وفقط- سلك الطريق الصحيح لذلك..

أن يعتقد المختص في القانون، أن نسخ ولصق التعاميم، وإعادة تغريد الأخبار وقرارات مجلس الوزراء هي محتوى قانوني، يشفع لهُ يوم القيامة، وزكاة لعلمه وعسى الله أن ينفع العالمين به، هو أمر مفروض.

أن يعتقد مختص القانون أن نسخه لرابط مقالة دون قراءتها يجعله يبدو مطلعاً ويزيد من حظوته في الحصول على فرص عمل أكثر، هو أمر غير مقبول.

أن يقدّم مستشار قانوني دورة عن تنفيذ أحكام نظام، صدر بالأمس المرسوم الملكي الكريم بالموافقة عليه، دون أي معرفة لخلفية النظام وجذوره، ولا أي فكرة عن هذا النظام في القانون المقارن، هو أمر جلل.. وعلى فكرة، حضرت الدورة لأقيّم من أي الأشخاص أنتِ عندما قدمتي معلومات مغلوطة كثيرة عن ذلك النظام..

أن يُستضاف مستشار قانوني يدّعي تخصصه في فرع من فروع القانون، ولم يوجد هذا الفرع بعد.. هو أمر مضلل ولا أخلاقي بالمعنى الكامل للكلمة، وقد تلقيت رسائل عدّة من طلاب وطالبات قانون يسألونني عن ذلك التخصص بذلك المسمى غير الصحيح والذي قد يكون أقرب لعدم الوجود أصلا..

أن يحدُث هذا كلّه في مجال بهذه الأهمية، وله هذا التأثير على الأفراد في حياتهم اليومية، على المعاملات بشتّى أنواعها.. هو أمر غير طبيعي إطلاقاً ولا يصبّ في مصلحة التخصص..

القرارات والأوامر والتعاميم وما في حكمها، إضافةً إلى الأنظمة وما في حُكمها تُنشَر وثائقها في القنوات الرسمية، سواء على صحيفة أم القرى أو على موقع المركز الوطني للوثائق والمحفوظات أو في أضيق الأحوال على القنوات الرسمية للجهة المصدر في ذلك..

فضلاً عن أنّ الحسابات الموثقة على مواقع التواصل الاجتماعي تعدّ من القنوات الرسمية، بل إن قرارات مجلس الوزراء تُنشَر على تويتر.

في عصر الثورة المعلوماتية، والتطور الرقمي، أُتيحت سهولة الوصول إلى المعلومة، وكلّما زادت خبرة الشخص كلّما اكتسب من المهارات الناعمة ما يمكّنه من الوصول إلى المعلومة الصحيحة بدقة عالية وبالسرعة المطلوبة..

ربّما يكون دور المرشد أو المعلّم أو الناصح أو الواعظ -الذي يحبّ أن يلبس العباءة الخاصة به كثير من المختصين القانونيين- في الإرشاد إلى مصادر المعرفة الصحيحة، وربما تعليم استخدامها بالصورة المُثلى لتحقيق النفع منها..

ولكن ليس هذا هو دور المختص القانوني بطبيعة الحال، مثل كل المهنيين؛ المهندس والمراجع والمحاسب والطبيب، يأتي دور المهنيين لتطوير ممارسة المجال سعياً في تحقيق أفضل الممارسات العالمية، في مناقشة الإشكالات الفنية الدقيقة التي لن يتمكن أحد من حلّها أو اقتراح الحلول المناسبة لها، سوى المتخصصين، إضافةً إلى إثراء المحتوى التخصصي المنشور باللغة الأم، وهذه الأخيرة هي التي يراد بها زكاة العلم، وهو فعل الخير الذي لا يفرق بين من يعبد الله وحده ومن يعبد شجرة..

عمل الخير بإخلاص للمهنة ولمن يأتي بعدنا، والذي ينعكس بدوره على المجتمع الذي يتأثر بالنظام القانوني مباشرةً..

عمل الخير للمهنة والمجتمع يتطلب اتباع الأخلاقيات المهنية في الكتابة والبحث والنشر، وفي جميع التعاملات المتعلقة بذلك..

أن تبحث وتكتب، تتعلم وتعلم نفسك قبل أن تتحدث مثل عشواء تمشي ليلاً في صحراء مقفرة.. لا هي اهتدت إلى نورٍ ولا النور يرُشدها لأنها لا ترى..

تطوير المجال المهني مسؤولية أي مهني، وجودك في مواقع التواصل الاجتماعي للتسويق لخدماتك دون أي اعتبار لمهنية وجودة تلك الخدمات هو سقطة في مسيرتك المهنية، ما تكتبه في حساباتك من قصاصات عشوائية ليس رمزاً ترويجياً تُثري به محتواك الفقير..

أخيراً، أفهم كم الحسد الموجود لدى من هم أضعف تجاه من يمتلك المهارات ولم يتوقف يوماً عن تطويرها.. ومن يعلّم نفسه قبل أن يقدّم شيئاً للناس..

لا شيء يمكنكم فِعله للوصول إلى ما وصلته من أعمال في مسيرتي المهنية، أو ما قدّمته أو ما كتبته من أبحاث، لأنّي أتعلّم كلّ يوم.. ولم أدّعي العِلم والمعرفة يوماً، وقد أصحح في الغد ما كتبته بالأمس! ..

%d مدونون معجبون بهذه: