
بدأت علاقتي باللغة الفرنسية في سنّ مبكرة جداً..
فبركات البرامج اللبنانية التي كانت تُعرَض على التلفاز لم تتوقف عند إشعال شغف الرياضة فيني وحب الفنون، بل سمّعتني الفرنسية لأول مرة وابتدأت أعتاد على سماعها..
التمارين الصباحية.. أ دو تغوا..
لم أتعلم الفرنسية بعدها إلا في المرحلة المتوسطة من دراستي، أهدتني أختي كتاباً لتعلمها -كما كُتِب عليه- في أربعة أسابيع، تعلمت منه أشياء كثيرة وحاولت ممارسة اللغة من خلال المحادثات المتاحة لي في برامج الألعاب مثل “Gamezer” وبرامج التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك”.
في نفس الفترة من حياتي، كنتُ أكتسب مهارات لغويّة عدة في لغتي الأم، كوني بدأت التدوين في العام ٢٠٠٨، وبدأت كتابة التقارير الصحفية، وعملت تطوعاً محررة أخبار في صحيفة رياضية محلّية..كأول تجربة عمل في حياتي، لا أعلم حتى اليوم إن كان منسوبي الصحيفة والقائمين عليها الذين عملت معهم عرفوا عمري الحقيقي وقتها (١٣ عاماً) أم أنّي كُنت موهوبةً كفاية لأخفي ذلك!
كان الجميع يُحاورني كأني في عُمري اليوم، وكان يروق لي ذلك كثيراً!
من خلال متابعتي للرياضات المختلفة، مثل سباقات الفورمولا ون والراليات والدراجات النارية والجمباز وألعاب القوى بالإضافة إلى كرة القدم والتنس، وأحياناً كرة اليد..اكتسبت لغات عدّة.. لم تصل إلى حدّ الإجادة، ولكن في الغالب كانت قدرة على التعامل مع اللغة، ومقدرة على الحديث بعدةّ عبارات فيها وأهم مهارة مازلت أجيدها هي القراءة، التفرقة بين Vو F بالألمانية، ونطق W كما V بالألمانية والهولندية والدانماركية والفنلندية.. والـC الفريدة من الإسبان في فالنسيا!
أحببت نادال وماسا ونيلسون بيكيه، وسيباستيان لوب وخورخي لورنثو وأبهرتني مهارة تايسون جاي ويوسن بولت ومايكل فيلبس!
كانت لغة كل رياضي مفضل عندي هي لغة أستطيع فهمها -إن صح التعبير- بصورة ضيقة وفي مجال محدود جداً..
مرّت سنين كثيرة وجرت معها تقلباتها والسنة عِندي تساوي عشرٍ مما عند العالمين، جاء العام ٢٠١٥ وتعلّمت في مطلعه اللغة الفرنسية الأكاديمية وأجدت جميع مهاراتها وحصلت على علامة A+ في أصعب مادة بالنسبة للطالبات في القسم (الصوتيات).. أحببت تلك اللغة حباً لن أحب مثله لغةً بعدها!
لم يفصِلني عن تلك اللُغة إلا شغفي بالقانون، وحلم الطِفلة التي كنت بمنصب “وزيرة العدل حارسة أختام الجمهورية” الذي عرفته مبكراً وحلمت به حلم الجدير بالشيء..
بعيداً عن حلمي المنفصل عن الواقع -وقتها- لكنّه واقعياً اليوم، كأنما عُرِضت علي حياتي المستقبلية في عامي الثالث عشر!!
تركتُ دراسة الفرنسية وقلبي معلقاً بها، ولم يزل.. ولم تزل تسكنُ قلبي.. عُدت إليها في مناسباتٍ عدّة، ومارستها في لحظات وأيامٍ كثيرة بعد ذلك..
لكنّ القبيحة الإنجليزية أخذت من وقتي عملاً وبحثاً وكتابةً ما أخذت.. ولم تبقي لحُبّي الفرانكوفونيّ شيئاً يفعَلُه، مِثلَ كُلّ قصص الحُب الواقعية التي ينتصر فيها القُبحُ على الجمال والزيفُ على الحقيقة.. ومنشنات تويتر على الرسائل الخاصة..
مِثل كُلّ النساء القبيحات اللاتي يُقصينَ بكيدهن ودنسهن امرأة القصيدة عن عَينِ شاعرها، فعلت الإنجليزية ذلك بفرنسيتي..
لكن أولاء النسوة لن يتمكّن من إقصائها عن قلبِه، عن روحِه ووجدانِه، ولِذا تَظهُرُ ويظهُر جمالها الباذخ على كلّ ما يقوله.. في كل دوواينه.. في كُلّ أعماله..
تنبّهتُ لفرنسيتي هذا اليوم، في المؤتمر الباريسي الذي جمع المهنيين من شتّى بِقاع الأرض ممن اختاروا الإنجليزية لغةً للتواصل مع العالم..
قال لي زميل المهنة بعد الحديث بالفرنسية ومن ثم الإنجليزية.. أن أصله برازيلي، بادرت بعدها بلا شعور بسرد تحايا جمهورالسامبا وبعض أحاديث لاعبيهم.. قال لي بعدها كنتِ تتحدثين لغتين والآن الثالثة ولغتك الأم العربية، أنتِ متعددة اللغات!!! ضحكت وبحت له بالسِر، لم أتعلم شيئاً غير الفرنسية.. علّمني حبّالرياضة كل شيء..كما يُعلّم الحب دائما.. وعلّمتني والدتي الإنجليزية.. العربية هي لغتي الأم وهي أمي.. ومن العار تعلُّمَها فأجدادي عرب لم يُنهِكوا أنفسهم في تعلّم لغتهم، ولم يرض أحدهم بذلك لي.. فمرروها إليّ عبر الحمض النووي..