
كانت الموسيقى العربية هي نوعي المفضل من الموسيقى طوال المراحل المبكرة من حياتي، ولم إختبر علاقتي بها لعدم رغبتي في الاستماع إلى غيرها..
بالتزامن مع ذلك، لم يكن الصداع رفيقي في أيٍ من مراحل حياتي
وكان أول لقاء بيننا
عندما عملت في مكان ينقصه الأكسجين
كان مبنى مُوصَد النوافذ
لا يعرف الهواء طريقاً له
وفي أيام الشتاء يشعر سكّان المبنى الغريب، الغريبون هم أيضاً بالبرد ويحول شعورهم بالبرد بيني وبين أي مصدرٍ للهواء
ومِن هُنا ابتدأت رحلتي مع الصُداع..
أخرج من المبنى
أمارس اليوغا الصباحية
أخرج من المكتب إلى النادي
كثيرة هي الحلول التي كنت أعوّل عليها
للحيلولة دون تأثير الصداع على أيامي
وللحيلولة دون انضمام الصداع لشخصيات قصتي
في أقسى الأيام التي اختبر فيها الصداع رأسي..
لم أطق سماع شيء
يصبح كل شيء فجأةً مثيرًا للصداع..
أي كلمة
أي فكرة
حتى الشِعر يتحول لشيء ثقيل على رأسي
حتى أكثر الكلمات التي أحب..
وأيٍ كانَ ما فعتله للمقاومة..
وأيٍ كانت النتيجة..
ما يهم هو أن الصداع قد علّمني شيئاً مهماً
كانت الموسيقى العربية تسيطر على مَسمَعي
إلى أن اكتشفت استثارتها للصداع بطريقة غريبة
كانت محفزاً سهلاً وسريعاً للصداع
وبدأت حينها أتأمل تفاصيلها بتجرد
بعيداً عن مشاعري المرتبطة بها
لا أجِدُ عزاءً إلا في الموسيقى الكلاسيكية..
لا شيء يتمكّن من النفاذ إلى رأسي إلا الموسيقى الكلاسيكية..
في أول مرةٍ انتبهت إلى ذلك..
كنت أُمارس اليوغا على أنغامٍ موسيقى شرقية
توقفت فجأة وأقفلتها..
شعرت بأن الصُداع يزيد مع كل نبضة
وشعرت بإزعاج الموسيقى الشرقية للمرة الأولى!
ولم يكُن الأمر كذلك عندما أطفأت المقطوعة الشرقية، واستبدلتها بموسيقى كلاسيكية غربية، فقد اختلف الأمر بصورةٍ واضحة!
بعد هذه الملاحظة، بدأت أجمع ملاحظاتي وعندمت بحثت في الأمر، ظهرت لي أعمال الأستاذ كريم الصياد
وكانت المفاجأة أن الفرق الذي شعرت به بين نوعي الموسيقى الكلاسيكية والشرقية كان موضحاً في عدّة مقالات له!
بل إن مقدّمة مقاله على منصة “معنى” بعنوان “ما الذي منع الموسيقى العربية أن تكون كلاسيكية؟ وما الذي جعل الموسيقى الغربية كلاسيكية؟”
تضمّنت تجربة شخصية له في الفرق الذي وجده بين الموسيقى العربية والموسيقى الكلاسيكية، وقراره بألا يستمع إلى الموسيقى العربية بعد ذلك!
قد يكون الربط بين الألحان العربية واستثارة الصداع لدي لا أساس له، لكنّه حدث بالفعل، والمفاجأة أنّي ما زلت أهوى الموسيقى العربية، إلا في الأوقات التي لا أكون فيها على ما يُرام.