تأملات في “سرٍّ” لستُ أدري ما هوَ

Never let me go, Anne Magill

ليست هي القصيدة الوحيدة التي تأسرني
لإبراهيم ناجي
فصوفية الشاعر تترك بصمتها في روحي
كلّما قرأتُ له قصيدة
ناجي هو شاعري الصوفي المفضل

لكنّ قصيدة القيثارة
التي عُرِفت بمطلعها
وأصبح الناس يطلقون عليها قصيدة
“أي سرٍّ فيكَ لستُ أدري”
لها طابعاً خاصاً وبصمةً خاصة
كأن ناجي فيها يصف ما يعجز جميعنا على وصفه من الحب
فالحبّ، أو شعورنا بالحبّ هو حالة نفسية يصعب وصفها

وحينما نتحدث عنها فإننا نظلمها،
إذا تحدثنا حديث المفسرين والمؤولين لهذه الحالة

نستطيع وصف الصفات العامة لحالة الحب
وكيف تأخذنا من أنفسنا ومن العالم
مثلما السر.. لغزٌ ليس لدينا القدرة على معرفته جيداً
هو ليس سراً واحداً
مجموعة من الأسرار
وجميعها مغرية..
“فـتنة تـــــعصف مــن لفتة نحرِ

قدر ينسج من خصلة شعرِ

زورق يســبحُ في موجةِ عطرِ

في عباب غامض التيار يجري

واصلاً ما بين عينيك وعمري”

وبعد لقاء العينين
ووصل عينيك بعُمري
يرفرف الصمت.. وللصمت بين العاشقين قدسية..
أن نجعل حضورنا يتحدث
وأن تأخذ اللحظة زمام الأمور
ويغنّي كل مافيكَ “مِنَ الحُسنِ”..

يشبه ناجي هذا الغناء
بوترٍ نامَ على صدرِ عودٍ
نومَ غافٍ مطمئنِ
نومةَ الخلود لهذا الحب.. في قلبينا وروحينا
“رقد العاصِفِ فيه وانطوت
مهجةُ العود على صمتٍ مرنٍ”

في النهاية يعبّر ناجي عما يصعب تخيّله
دُنيا بلا محبوبه
ويبدأ بوصفها
“هذه الدُنيا هجيرٌ كلّها
أين في الرمضاءِ ظلٌ من ظلالك”
يبحث عن ظلاله ليظل الرمضاء!
وليخفف بؤس هذه الدُنيا
فقط بظلاله!

فجأةً وجدتني جثةً هامدة
لا شيء أحبّه
لا شيء أشعر به
ولا شيء أبغيه
أجّلتُ حياتي كاملةً
حتى أرى عينيك..

أهيم حباً بهذه القصيدة ولحنها وغنائها
وكلّما قال عبد الوهاب “هذه الدُنيا هجير كلّها”
يخفق قلبي بخوف
لم أعد أقبل بحياةٍ بلا عينيك!

%d مدونون معجبون بهذه: