
أسير في الممرات الضيقة.. قاصدةً مكاناً لم أختبره..
لكن الوصف عبأ مخيلتي بما يعرّفني عليه دونَ أن يُرشِدني بدقةٍ إليه..
أتوقف عند رمزٍ أعرفه! أعرفه جيدًا حتى مع ضبابية الرؤية، وبخار الماء الذي غطى الزجاج..

عند عتبة الباب تقترب امرأة فارسية تكنس المكان وتحييني بالفرنسية “بونجوغ مادموزيل؟”.. أردّ التحية عليها وأتذكر أن فرانكوفونيتي ما هي إلا إحدى الإعدادات الافتراضية في هذه المدينة..لستُ ناطقةً بالفارسية حتى أُحييها بتحيةٍ مميزة عندها!
بعد سؤالي لها وتأكيدها لصحة وجهتي، دخلت أتأمل الملك طاووس عن قُرب.. تُعِدّ المرأة الطعام .. وأنا أغرق في تأمل تفاصيل المكان، آلهة كُثُر، وديانات عدّة تلتقي في هذا المكان المتناهي الصغر، أتذكر مسيري على ضفاف الرون وبحثي عن توثيق الصلة مع هيبونوس -إله النوم الإغريقي- ليلة الأمس التي أرقت فيها للمرة الأولى في ذلك المكان.. لم يكُن للمدينة التي أحب يد في أرقي تلك الليلة..
كانت الأفكار المهترئة هي ما عكّر ليلتي.. رجلٌ لا يفقه قولاً يفصل بين الحق وبيني..
تركته يمضي مع الليلة التي مضت، لأن دور الأغبياء في هذه الحياة ينحصر في تعليم البشرية الصبر، وإثارة القلق حول مستقبل البشرية في ظل عدم انقراضهم..
ظللت أتأمل المكان.. علت قليلاً أصوات الموسيقى الشرقية، أشعر بالجوع وأفكر فيما لو أن بروميثيوس -خالق البشر ومحبهم بين آلهة الأولمب- ترك لنا من صفات الآلهة ما ينزع الشعور بالجوع منّا..
ثم تنبهت إلى أنه لولا حزمة الشرور التي انطلقت من صندوق باندورا لما استدعى البشر حضور أي آلهة، من أي مكان وفي أي زمان..
ولولا ظهور تلك الفظائع لم يتملكنا أي توق للسلام.. للنعيم.. للخلاص.. لكن كلمة الأمل التي تحمل السلام والنعيم والخلاص هي أمل زائف خرج من ذات الصندوق..
