على شاهِدِ قبري: الملاك المُنتَحِب

الملاك المُنتحِب، منحوتة للشاعر الأمريكي وليام ستوري، أقامها على قبر زوجته إميلين ستوري في روما، 1894.

تأسرني دائمًا فكرة الكتابة على شاهد القبر، كلمة أخيرة للحياة، يقولها الميت بعد أن مضى عهده فيها، لا التزامات عليه، ولا خوف من سوء الأقدار أو من تبعات كلمته..

أعجبني ما كتب على شاهد قبر محمود درويش من كلماته التي علقت كثيرًا في ذهني “على هذه الأرض.. سيدة الأرض، مايستحق الحياة!”، كذلك ما كتب على شاهد قبر الشاعر محمد مهدي الجواهري من قصيدته “يا دجلة الخير” “حيّيت سفحك عن بعد فحييني
يا دجلة الخير, يا أمّ البساتين‏
حييت سفحك ظمآناً ألوذ به
لوذ الحمائم بين الماء والطين‏
يا دجلة الخير يا نبعاً أفارقه
على الكراهة بين الحين والحين‏”.

وأُسِرت بوصية أبو العلاء المعري بأن ينقش البيت الآتي على شاهد قبره:‏
“هذا ما جناه أبي عليّ
وما جنيت على أحد!‏”.

أما كلمات نزار قباني التي كتبها على شاهد قبر ابنه توفيق، أحزنتني ولا أميل لهذا النوع من التعابير على شواهد القبور، مع أن ما كتبه تحفة فنية في قوله: “بأي اللغات سأبكي عليك؟وموتك ألغى جميع اللغات”.

لكنّ ما سرق قلبي هو عمل الشاعر الأمريكي وليام ستوري، منحوتته الرائعة “الملاك المُنتحِب” التي أقامها تمثالاً على قبر زوجته إميلين ستوري في روما، لاحقًا عمل عدة فنانين حول العالم نسخ من تمثال الملاك المنتحِب وأصبح أيقونة لأغراض تخليد الذكرى.

عندما أفكّر في أي كلمات أختارها على شاهد قبري، أجدها كثيرةً جدًا، لم أتوقف يومًا عن صياغتها أو التفكير بها، وسأستمر في ذلك، ليصبح عندي قائمة طويلة من الكلمات، أحدّثها في كل مرحلةٍ من حياتي، بالإضافة إلى رسالة الموت التي سيأتي بيانها لاحقًا.

على شاهد قبري، في مكانٍ ما:

لقد ناضلت في هذه الحياة مدفوعةً بغريزة البقاء
لم أحبها يومًا، لم أحب أبدًا أشياء لا تحبّني.

يالخسارتك! لم تكن قاتلي
فالعشاء الأخير وليمةً ربّانية.

لطالما تقبلت فكرة الموت
وها هو اليوم يتقبّلني أخيرًا.

ليس هناك ما يدعو للحزن، فقد توقفت آلامي التي خِلتُها أبدية.

إن موتي هو انتصاري الساحق في وجه الحياة.

%d مدونون معجبون بهذه: