الأنا الأولى

يقول فرويد “الأنا الأولى هي الجسد”
ودائمًا ما فكرت بعلاقة المرء بجسده.. وحظت باهتمامي معاني هذه العلاقة وتفسيراتها وانعكاساتها على حياة المرء..
جاءت الأفكار حول الجسد إما مقدسة له أو مدنسة له بعدّه مصدر الخطايا والآثام..
وأنا إذ أفكر في هذه العلاقة، أتأملها وآخذها جانبًا عن التحليلات العلمية أو التفسيرات الفلسفية من الخلفيات المختلفة..
أرى أن الجسد بوابة الروح..

جسدي أنا.. وأنا جسدي..

وإن سُئلت عن روحي يومًا سأقول أنها تقع في دماغي الذي هو جزء من جسدي.. أراه مبتداي ومنتهاي.. منه وإليه تعبر مشاعري.. تتكون تصوراتي.. وتترسخ أفكاري..أُوجد في هذا العالم من خلال جسدي..

لا تروقني فكرة امتداد الوجود الافتراضي للإنسان في العالم الرقمي لأنها تحجب عنّي غريزة الثقة بحواسي، غريزة التنبؤ بالخطر.. غريزة الشعور التي تميّز بين القِط والآلة الحاسبة..

أستخدم حواسي ..أعتمد عليها..وأثق بها..
يغمرني تكامل ثنائية الروح والجسد ولم أراهما يومًا كيانات منفصلة عن بعضها..
أحب هذا النوع من التسامي والاتساق بينهما..

في طفولتي كنت أقيم قوتي البدنية وقدراتي في مرونة الجسد إذا استيقظت من النوم..
كنت أشعر بالامتنان كلما تعلقت بأغصان الشجر وتأرجحت !
وكلما ارتقيت أبواب منزلنا وثبتت نفسي بقدماي شعرت بثقة هائلة وأطلقت ضحكات النصر..
وفي مراهقتي كنت أُقلّد عروض الجمباز في كل مناسبة.. آخرها كانت أولومبياد بكين ٢٠٠٨..

وحينما أصبحت في أعداد الراشدين، كبرت علاقتي بالجسد وتطورت علاقتي بالنشاط البدني
ولم أزل أتسلح بقوتي البدنية في مواجهة الحياة، كأنما أتحدى هذا العالم.. “هل تهزمني؟ هيا نبدأ المواجهة”
أجلس لساعات في تحدي التمارين المسائية اليومي.. إذا ما اتصلت بي والدتي تدعوني لتناول وجبة العشاء.. لا أذكر كم من الوقت مضى! لا أنسحب من التحدي وإن كان تحدي يتيم بيني وبين نفسي!
أعامل سجادة اليوغا معاملتي لساحة حرب لا تسمح لي مبادئي بالتولي عنها يوم الزحف..

أصرخ ضاحكة بأعلى صوتي على ظهر الجواد إذا ما قفزت قفزة مبهرة! وإذا ما تقدمت خطوةً في الفروسية أنادي مدربي بأعلى صوتي “حسن!! شوفني!!”
لا شيء يمنحني شعور القوة والثقة والرضا كما القوة البدنية.. لا شيء على الإطلاق..

وها أنا اليوم أضفت إلى الأنشطة البدنية المرهقة.. الاسترخاء والتأمل
وكلما تأملت هذا العالم من خلال جسدي
شعرت بالتسليم للحظة
وبالامتنان .. للصحة والحياة..
للجسد والروح

%d مدونون معجبون بهذه: