لي حقٌ في الغيابِ

Woman reading in a sunlight interior- Peter Vilhelm Ilated

لي حقٌ في الغيابِ مثلما حقي في الحياةِ

لي حقٌ في العودةِ إلى نقطة الصفر..

وساعة الصفر التي سبقت اللقاء

لي حقٌ أن أغيب على طولِ المدى..

ولي ألا أعود!

لي حق في الكتابة بقلم الرصاص.. بعد أن رفضت استخدامه مرارًا في حل مسائل الرياضيات..

لأنّي لا أُخطِئ.. كُنتْ.

وللقدر أن يسمح للرصاص بالمضي مع أول قطرة ماء تمس الصفحة..

أن يمحوه كما محوت كلما كتبته طفلة..

أنا لم أمحوه، بل حوَّلَته النيرانُ رمادًا..

A Seventeenth-Century Dutch Interior with a Woman and a Boy

قرأتُ مرةً أن ما يميز الكاتب هو أنه يدوّن الأفكار التي تمرّ ذهنه في لحظة عابرة.. يقيّدها.. ولا يسمح لها بالعبور دون ترك بصمة في كتاباته..

تذكرت حينها كل لحظات صفاء ذهني.. التي لم أشأ أن أدون فيها ما فكرت به.. كل ما تأملته،، أو ما رويته على نفسي حينها..

ربما لم أرد لسلسلة الأفكار تلك أن تنقطع.. لأجل التدوين وحده! ولمن؟

لا لأحد، ولكن، ربما يكون التدوين فعلًا يرفع به المرء أنغام حديث نفسه.

What to Write- Franz Skarbina

إن كل الأفكار التي لم أدونها.. لم تغب عن ذهني لحظةً.. أو ربما لم أسمح لها بالغيابِ!

كانت تأتيني في حواراتي الصباحية اليومية.. كانت تأتي إليّ كلما سُئِلت عن ما إذا كانَ هذا ذاك أم أن ذاكَ هو هذا؟

كُنتَ أراها.. أذكرها.. وأتلوها كلّما سألوني لماذا؟

ولذا كانت إجاباتي وآرائي، تُصبَغ بصِيغة أفكاري..

كأن الأفكار التي لم يكن لها نصيبًا من التدوين، تنظر إليّ من بُعد وتأتيني على جناح طائر كلّما استدعاها أحدٌ بسؤالهِ.. وربما كانَ حاملها ذاك الطائر الذي أيقظني صباح اليوم.. أو ذاكَ الذي كانَ يتأمّلني وأنا أتأمل الفراغ!

وربما كانا العصفور نفسه.. ذلك العصفور المسكين.. لم يستوطن إطار نافذتي ولم أسمع نَغَمه حتى حلّت على أرضِنا جائحة كورونا (كوفيد-١٩).. كلّما أيقظني مع الفجر.. أشعر بأن أنغامه هي أنشودة النصر والاستبشار بقرب زوال البشرية واختفاء عوادم السيارات وصفاء السماء والهواء إلى الأبد..

لكنّه عصفور مسكين، يوقظني حتى أخذله في كل يوم..

%d مدونون معجبون بهذه: