“وليلها يطول..” عن العُمر وآخر ليالي أيلول

أنا ونسمات الصُبح، عمّان، ٢٠١٧.

نسمات الصباح الهادئة..
هواء الليل البارد..
موسم التصالح مع الأرض ونهاية غضبها علينا..

أقطع السلم صعودًا ونزولًا لأستشعر نسمات الهواء على وجهي..
أستشعر هدوء المساء .. وأمارس طقس المشي باعتباره طقساً تأمليًا أحيانًا وطقسًا تطهيريًا في أحيانٍ أخرى..

عشية ذكرى ميلادي من كل سنة..
أفكّر في معنى العُمر كثيرًا .. معنى هذه الأيام.. وأحاول ملاحظة مرور الزمن عليّ..
أن يمرّ الزمن على جسدي.. هل يغير ملامحي؟
أن يمرّ الزمن على ذهني.. هل يؤثر في ذاكرتي؟ أم يغير أفكاري؟ ماذا عن تصوراتي؟ وهل له نصيب من آمالي وأحلامي؟.. ..
يصعب الهرب من التغيرات هذه الأيام، لأن كثير منها تم رصده وتوثيقه..

من طقوس الأيام التي تسبق عيد الميلاد، وأسميها طقوس موسمي .. الدوران والتنقل بين صوري.. والصور التي التقطتها للأماكن والأشياء من حولي
وأقول الدوران لأني كثيرًا ما أضطر إلى قلب الهاتف أو قلب الصورة للحصول على مشهد أكثر دقة

أرى التغيرات بوضوح.. أرى الصور مع تاريخها فتستحضر ذاكرتي ذكرى ذلك اليوم بتفاصيله.. بطقسه ورائحته.. أكثر الأشياء أهمية لدي..
أكبّر الصور ما استطعت للتمعن بالفروقات.. وتوثيق التغيّر
أجد بعض التغيرات جذرية وبعضها طفيفة.. وفي أحيانٍ أخرى لا يستطيع الوقت إحداث أي تغيير يذكر!
أو بعبارة أصح.. أن يهزم الوقت أمامي فلا يُمَكّن من ترك آثاره..
أجد هذا في نظرتي وابتسامتي
في التقاطي لصور الصباح
وتسجيل فيديوهات إعداد القهوة
ومراقبة الشمس وانتظار الشتاء!
وأتذكر في هذا معرفتي تاريخ اليوم من رائحة نسيم الصباح..

مؤخرًا وجدتني أتعامل مع آثار العمر وانعكاساته علي، تمامًا مثلما أتعامل مع الخبرة العملية في مهنتي!
أعتبر كل يوم إضافي أعيشه رصيدًا لي في بنك الحياة..
وأعامله تماماً مثلما أعامل حساباتي البنكية
أستمتع باستهلاك ما في عمري من لحظات حتى يكون لهذا الرصيد قيمة..
لا أبالغ أبدًا إن عبرت عن معظم أيامي التي أعيشها وكأنها أيامي الأخيرة، لا من اليأس بل من الحرص على عدم فوات الأوان! لا أحبّ أن يفوتني شيء.. أحرص على أخذ كفايتي من كل يوم.. عملًا واسترخاءً.. حبّا للحياة.. غضبًا منها ومن الناس..
أتذمر من زحمة الطرقات فيها وأغنّي مع أم كلثوم حتى إذا انتهى الطريق ولم تنته الأغنية أطلت الطريق..
أتذمر من العمل المكتبي وأتصور لياقتي تدمرت بفعل الجلوس وما إن أصِل البيت حتى أعود للخروج إلى نادي الفروسية..
لا أفضل استيقاظي قبل موعد العمل بساعتين لكنّي إذا ما استيقظت أجدني مزروعةً على سجادة اليوغا مستقبلة نافذتي أقوم بتحية الشمس وأختبر توازني..
أتعب وأتعافى في آنٍ معًا… يهدم فيني الزمن ويبني في عملية واحدة.. مثل تفاعلات أيضية لشخص مصاب بفرط كل شيء..

يخيّل لي أنّي في نهاية كل عام من أعوامي
أقف على حافة العالم أسترق النظر إلى مشهد النهاية.. وحالما أستجمع قواي وأستنشق أنفاس السقوط.. تنقذني نسمات الريح في آخر أيام أيلول
وتعيدني إلى مطحنة الحياة

أستقبل الصباح بمعزل عن أرق الليلة الماضية “لأنها راحت وانتهت!”
أتمسك دائمًا بهذا التعافي السريع.. وأجدني طورت قدراتي ومهاراتي في إدارته، كانت ليالي الأرق تترك علي بعض الآثار للصباحات اللاحقة لها..
اليوم أذكر ليلة الأرق وأفكارها مثل فيلم شاهدته آخر الليل ولم يروقني حتى شكرت الله أنه انتهى وجاءني الصباح!

في الخمس سنين الماضية،، أصبحت صورة أعياد الميلاد عندي
أيام عمل طويلة يمتلئ مكتبي فيها بالورود والشوكولا.. لفرط ما ملأت حياتي بالعمل حتى قبل تخرجي من الجامعة..
وفيما قبلها كان عيد الميلاد عندي يعني أن أقوم بعمل أنشطة كثيرة مختلفة من بينها الألعاب المفضلة عندي في طفولتي..
في عيد ميلادي الحادي والعشرين شاركت الأطفال اللعب في “مركز غرناطة” قفزت معهم وأطلقت صرخاتي ودخلت في تحديات معهم .. إلى أن جاءت النطيطة وبدأت أستعرض قدراتي وطُرِدت منها “لأن جدًا كبيرة عليها”!
وفي كل المرات لم أخطط أبدًا للاحتفال بعيد ميلادي.. في واقع الأمر لا تمثل هذه الذكرى فارقًا لدي لولا أن انتهاء الصيف يرمم ما تبقى لي من السنة.. ويحاول إصلاح ما أفسده الحرّ في بشرتي ونفسيتي لما انتظرت ختام أيلول وليله المعتدل اللطيف..
أُولَد في كل الأيام السعيدة، أولد من جديد مع كل تجاوز للعثرات.. ومع كل فرحة لقلبي وروحي.. أولد دائما من جديد..

ومع كل الاختلافات بين كل السنين..
فإنّي اليوم أقيسُ عمري بتطور قدرتي على التعافي
بتخفف روحي من الآلام
ببرود رد فعلي تجاه الصدمات
باكتسابي المناعة ضد الزمن والأيام..

أغنّي في أكثر الليالي حُزنًا وأطولها أرقًا
“ليالي شتا أيلول بتشبه عينيك”…

أتوقف عن الغناء مع يوغا الصباح وأستمع للأغنية بصمت وإجلال
لأقول في آخر نَفَسْ “اي والله بتشبه عينيك يا حبيبي!”.

%d مدونون معجبون بهذه: