الشعور بالذنب.. الذي يوحّدنا..

يقول فرويد “إن الشعور بالذنب هو سبب تطور الحضارة البشرية”.

وتقول إيمان مرسال “يبدو الشعور بالذنب وكأنه الشعور الذي يوحّد الأمهات على اختلافهن”.

أتذكر في هذه الأيام كتاب إيمان مرسال “كيف تلتئم، عن الأمومة وأشباحها”، وسبب عرضه على ذاكرتي مرارًا هذه الأيام هو أنّي قرأته في نفس الأيام من السنة الماضية..

أتجاهل النظر إلى التقويم عادةً، الطقس هو بوصلة ذاكرتي للمواسم، للأشهر، وحتى لتواريخ الأيام تحديدًا، أميّز رائحة الأيام بدقة فأتبيّن التاريخ منها وقد أخطئ أحيانًا وأزيد يومًا أو أُنقِص يومين، لكنّ هذا الخطأ نادر الحدوث هذه الأيام، أحبّ ذاكرتي، وأكرهها إن جاءت لي بذكرى حزيران من كل عام.. شهر ضربات الشمس والأرق والإرهاق.. شهر الإعلان عن بدء مراسم غضب الأرض علينا وسُخرية الحياة منّا..

في حالة الأرق هذه أذكر تحديدًا علاقة إيمان مرسال بابنها يوسف.. وشعورها بالذنب لاعتقادها بأنها سبب مرضه.. إنّ أكثر ما يخيفني من الأمومة هو هذا الشعور بالذنب، أن يتألم ابني ألمي وأشعر أنّي المُلامة وأنّي السبب في ذلك الألم.. لا أتألم اليوم لألم ابنتي.. لكنّي شعرت بأسى أكبر من ذلك بعد أن رأتني والدتي قبل قليل أنزل من الدرج وأراقب خطواتي محاولةً التخفي …وعلمت أنّي أعاني من الأرق..

تقول لي أمي “أنتِ صاحية من ٧ الصباح ومداومة ورجعتي المغرب، الحين الساعة وحدة!”، أحاول التحدث عن مواضيع أخرى وكأنّي تذكرتها للتو، حتى لا تسأل عن سبب السهر، لكنها سرعان ما أخذت تحدثني عن معاناتها مع الحساسية في فصل الصيف محاولةً مواساتي.. تنتبه بعدها أنها بهذا لا تواسيني وإنما تخبرني بأن حساسية موسم الصيف ستطول رحلتها معي ما حييت.. أرى في عينيها الشعور بالذنب..أحاول سحب الحديث إلى جانب آخر حتى لا أرى ذلك الألم في عينيها..

ولا أجدني في النهاية قادرة لا على تخليصها من الشعور بالذنب، ولا على مواساة نفسي.. وبغرابة أردد عبارات المواساة الباهتة.. “عادي، حساسية، أشياء تافهة، العالم كلّه يتألم.. وحاله أكثر سوءًا، حساسيتنا ترف، مترفين مانحب الشمس.. ما نعرف الحرّ..”

أنا التي أكره الاستخفاف بمعاناتي مع الطقس، أفعل هذا لأخلّص والدتي من الشعور بالذنب، أسمّي هذا الشعور لعنة الأمهات.. مع إيماني بأنه ليس حكرًا على الأمهات.. ففي المرّة الوحيدة التي نقل لي والدي عدوى فيروس الإنفلونزا الموسمية.. كنتُ أغفو من ارتفاع الحرارة وأفتح عيني لأراه واقفًا لم يتحرك من مكانه كأنما حُرّمَ عليه الجلوس وحرّمت عليه المغادرة.. ثابتًا يحمل أكياس الأدوية ويقرأ وصفاتها.. يتحسس حرارة رأسي وينتظرني أصحو ليناولني جرعةً أخرى من خافض الحرارة.. يستمر على حاله طوال الليل حتى أرجوه أن ينام…

%d مدونون معجبون بهذه: