“مِن أين لكِ هذا النشاط؟”

نور الفجر.. وبدايات أيامي..

أكتب هذه التدوينة استجابةً لطلبات الأصدقاء المتكررة لي للتدوين عن العادات الصباحية الفارقة في يومي والتي تساعدني على التركيز وسط كل هذا التشتت، وردًا على سؤال “مِن أين لكِ هذا النشاط؟” “كيف تلحقين تسوين هذا كلّه؟؟” “من وين لك وقت؟ وكيف تحتفظين بتركيزك؟” وعلى العبارة التي تكررت على مسامعي كثيرًا “الله يعطيني رواقتها عايشة في عالم وردي مو معنا الآنسة نوف”.

أحاول حصر العادات اليومية وليس فقط الصباحية (في أيام العمل)، التي تساعدني في التركيز والحفاظ على هدوئي، والأهم من ذلك القدرة على إنجاز كثير من المهام.. ابتداءً من العادات الصباحية وحتى طقوس ما قبل النوم مرورًا بالاسترخاء وتمارين ما بعد يوم العمل وساعات القيادة.

سأنشر لاحقًا تدوينة خاصة بعلاقتي مع النشاط البدني وتأثيره على حياتي، ولن أتحدث عنه بالتفصيل هنا.

قهوة الفجر، فنجان لي وفنجان لوالدي.

ورثت من والدي الاهتمام بالتفاصيل الفارقة في اليوم من بدايته، موعد الاستيقاظ، قهوة الفجر، والنشاط البدني الخفيف صباحًا، واللحظات المتقطعة من الصمت التي يقضيها لا يفكر بشيء، كان موعد الاستيقاظ المبكر جدًا يمثل أهمية كبيرة في تحديد ما يكون عليه يومه، أن تصحو قبل الجميع وترى اليوم قبلهم كأنك تشكّله أو تتحكم به أو تحاول السيطرة عليه قبل أن يصحو غيرك ويقرر شكله، ألا تتواصل مع أحد فجرًا، حتى أن لحظات القهوة التي أشاركه إياها لا تجمعنا فيها أي أحاديث غير السؤال الاعتيادي عن الحال “صباح الخير نوفا شلونتس؟” تعلمت الصمت في بدايات اليوم ومنح ذهني مساحة من الفراغ، أو بالأحرى من الصفاء، وكان المشي الصباحي وسقاية الأشجار هي الأنشطة المسموح بها صباحًا -لاحقًا أصبحت ألحقها بالمشي في مضمار النادي الساعة السادسة صباحًا-، أما القهوة فكان والدي يصرّ على إعدادها بنفسه حتى أصبحت صانعة قهوة تركية محترفة وبدأ بالاعتماد علي.

الصورة الصباحية اليومية “الفجرية” في صباحات المرحلة الجامعية

ساهمت المرحلة الجامعية في تشكيل حياتي كما هي عليه الآن، وثبتت عاداتي وطقوسي الصباحية والمسائية وكأنها مبادئ راسخة، كانت حياتي الجامعية حافلة بالتغيرات والمفاجآت، وعلمتني قدراتي، ولم أتفاجأ بعدها بأنّي جمعت مابين الدراسة والعمل والتدريب وأتممتها كلها على أكمل وجه، كنت أصحو مبكرة جدًا عند الساعة ٤:٤٥ صباحًا، أُنهي النشاطات المذكورة أعلاه، وأنطلق بعدها لبدء يومي خارج المنزل، تنتهي فقرة أغنيات الصباح واللوحات الفنية ومقالة الصباح في الطريق، فأصل المكتبة المركزية الساعة السادسة صباحًا، رائع! لدي وقت للقراءة!

القهوة الثانية في المكتب، في مرحلة الحياة العملية بعد الدراسة

بعد التخرج كُنت على موعد مع الحياة العملية والمسؤوليات الجديدة علي بعض الشيء، واجهت بعض الصعوبات في التأقلم بدايةً لأنّي افتقدت المشي الصباحي بين مباني الجامعة والطريق الطويلة المؤدية إلى المكتبة المركزية، افتقدت القراءة الصباحية من الكتب الورقية، افتقدت المكتبة كثيرًا، لكنّي سرعان ما نقلت بعض الكتب إلى مكتبي وحرصت على القدوم قبل الساعة السابعة إلى المكتب، حتى أتمكن من المحافظة على تركيزي، كنت يومًا بعد يوم أحاول تعويض ما نقص من جماليات كانت تختص بها المرحلة الجامعية وحدها ولم أجدها في مقر العمل.

في جائحة فيروس كورونا (كوفيد-١٩) وجدت نفسي مُحاصرة في تجربة عمل اخترت خوضها مدفوعةً بحب العمل والتعلّم والفضول طبعًا، كنت أحاول إعادة تجربة العمل والدراسة معًا، في رفع عدد ساعات العمل، وتحت أي ظرف هذه المرة؟ الإغلاق العام وتحوّل كثير من الوظائف لنظام العمل عن بُعد، استمتعت في تجربة العمل هذه كثيرًا، أصبح المكتب بيتي! أحببت مباني العمل، أحببت ظروفه، كل شيء يتصل به، لكنّ الوقت هذه المرة كان أقصر من أي وقت مضى، وجدت نفسي مضطرة للغياب عن المنصات التي أنشر المحتوى فيها، أغلقت حسابي على تويتر، بدأ الوقت يضيق كثيرًا.. لم يمضِ شهر حتى أدركت أن علي وضع خطة ترتيب شامل لوقتي والتعامل مع الأمر.

بعد انتهاء رمضان، وأول أيام العيد عدوّ النوم والراحة، استيقظت ليلًا أستعد للعمل غدًا صباحًا في ثاني أيام العيد، من دون أي مقدمات وجدتني أستمع إلى “أرانخويث” وأتأمل الظلام من النافذة، هذا الجو المناسب لليوغا! بعد انتهائي من ساعة كاملة من اليوغا شعرت وكأن دماغي كان بمعزل عن الأكسجين قبلها، وقررت أن تكون اليوغا وتمارين التنفس نشاطًا يوميًا، جلست على المكتب وكتبت قائمة النشاطات التي يجب ألا يخلو منها يومي، مستذكرةً أيامي المنظمة جدًا، ومضيفةً إلى القائمة شروطًا صارمة.

joaquin Rodrigo- Aranjuez, Richard Anthony- Aranjuez Mon Amour

الكروشيه حاضرًا في انتظار محاضرات التدريب

ما كتبته في تلك القائمة هو ما أصبح روتيني اليومي، ولم أنقطع عنه حتى اليوم، تمكنت من تلخيصه صباح اليوم للفائدة، قسّمت العادات اليومية إلى عادات صباحية، وعادات ما بعد العودة من العمل، وعادات ما قبل النوم.

العادات الصباحية: ١- أحرص على الاستيقاظ قبل رنين المنبه، ولا أعلم طريقةً للتدرب على هذا. ٢- عند الاستيقاظ أنظر لهاتفي لمعرفة الوقت فقط، لا أقرأ التنبيهات ولا أستخدم أي تطبيق، ولا أتواصل مع أحد. ٣- أعمل تمارين التنفس لمدة لا تزيد عن دقيقتين. ٤- أُرتب سريري وأفتح ستائر النوافذ، أفرش سجادة اليوغا مقابل النافذة. ٥- أتأمل لمدة قصيرة، أختار أغنية بلحن هادئ أو موسيقى شرقية، لا أستمع إلى موسيقى هادئة صباحًا، أفضل الاستماع إلى الموسيقى الشرقية التي تمنحني النشاط. ٦ أبدأ في ممارسة اليوقا لمدة لا تزيد عن ٥ دقائق، أُنهيها بتمارين استطالة للعضلات التي تتأثر بالنوم عادةً (عضلات الرقبة والكتفين والظهر) وأي عضلة أشعر بألم فيها. ٧- أبدأ بعدها بإعداد القهوة، والاستعداد للخروج للعمل مبكرًا، وفي طريقي إلى العمل لم أعد قادرة على القراءة مع القيادة، حاولت الاستماع إلى البودكاست لكن لم يعجبني الأمر، أعتبر القيادة استراحة لدماغي من تلقي المعلومات فيكفيه مايكابد من سائقي الرياض، أختار أغنياتي وأنطلق لاستفتاح مقر العمل. ٨- أقرأ مقالة الصباح وأمرّ على الأعمال الفنية التي تروق لي، أراجع مهام العمل وأرتبها، وأبدأ بالعمل بكامل تركيزي.

يوغا صباحية (٥ دقائق)، قائمة موسيقى شرقية

عادات ما بعد العودة من العمل: ١- أسترخي لمدة ما بين (١٥-٢٠) دقيقة، أنظر فيها إلى سقف غرفتي حينًا وأغمض عيني أحيانًا وأستمع إلى أي نوع يروقني من الموسيقى في تلك اللحظة، المهم ألا أستخدم الجوال، أحرص على مراقبة تنفسي جيدًا وزيادة عمقه وعمل تمارين التنفس. ٢- أمارس تمارين استطالة العضلات وأركز فيها على العضلات المتأثرة بطول الجلسة على المكتب، أختار بعدها الحصة الرياضية لليوم حسب الجدول (كروس فت، أو مات بيلاتيس، أو باليه، أو يوغا -في الأيام السيئة-).

يوغا لمقاومة آلام الجزء السفلي من الجسم، مقطوعات موسيقية منوعة

عادات ما قبل النوم: ١- أتأكد قبل النوم من إنهاء جميع مهام اليوم وأراجعها في ملاحظات الجوال، وأحاول تصور خطة ومواعيد يوم الغد دون استغراق في التفاصيل. ٢- أستخدم إضاءة خافتة جدًا، أعتمد في بعض أيام الصيف على إضاءة الأرقام في شاشة المكيف، أمارس يوغا مخصصة للاسترخاء والمساعدة على النوم لمدة مابين (٢٠-٣٠) دقيقة على أنغام موسيقى هادئة (كمان، تشيلو، موسيقى ممزوجة بأصوات من الطبيعة، موسيقى صوفية…) أتجنب بعد انتهائي من اليوغا استخدام الجوال. ٣- في ليالي الأرق أستعين بفيديو لأي برنامج في قائمتي (برامج وثائقية، جولات في متاحف حول العالم، برامج سيرة ذاتية…) ٤- في ليالي الأرق السيئة جدًا والتي لا طاقة لي فيها لمتابعة أي شيء ولا لعمل أي شيء أستعين بتطبيقات الكتب الصوتية مثل “أودبل” “إقرأ لي” أو البودكاست مثل “معنى مع محمد الحاجي” “صوت معنى”. ٥- ويحدث -مرةً في السنة- ألا يكون لي طاقة في عمل هذا كله، وأحتاج فقط إلى الصمت أو إلى موسيقى أسميها موسيقى النوم.

بودكاست معنى مع محمد الحاجي، مقطوعة نادرة تساعدني على النوم

من غير الممكن اتباع نمط محدد ثابت لكل يوم في حياتنا، فلكل يوم ظروفه وطبيعته وأحداثه، ويحدث أن تخرج بعض الأيام عن الخطط المعدة لها مسبقًا والروتين الثابت.. وأحيانًا أعترض على كل شيء وأنظر إلى سقف غرفتي لا أفعل شيئًا وأتأمل اللاشيء.. لكنّي دائمًا ما أناضل من أجل إبقاء يومي تحت السيطرة وكثيرًا ما أقاتل في الحفاظ على صفاء ذهني وتركيزي ووضوح رؤيتي لمسار أيامي.. لأن كل ما يهمني هو شكل يومي وحاضري، وإن حدث وخرجت أيامي عن السيطرة، فإنّي أناضل لتقليل الأضرار..

ولعلّ من الأفضل تذكير القارئ الكريم بأنّ هذا نمط حياتي الخاص بي، وتجربتي الخاصة بي في قضاء أيام العمل، وليست نصائح متخصص، وجدير بالذكر أنّي أبحث كثيرًا عن التأمل من وجهة نظر علم الأعصاب.. وليس هناك ما يكفي من مصادر للجزم بأهميته للصحة أو فائدته..

https://www.scientificamerican.com/article/wheres-the-proof-that-mindfulness-meditation-works1/

%d مدونون معجبون بهذه: